في عالم الروحانيات الغامض وعلوم ما وراء الطبيعة، تتوارث الأجيال كنوزًا معرفية محفوفة بالأسرار والرموز، تتجلى فيها طاقة الحكمة القديمة وتتشابك فيها الحروف والأرقام والكواكب مع القلوب والأرواح. ومن بين تلك الكنوز النادرة، تبرز مخطوطة “كنز العارفين في علوم الأولين”، التي صنّفها العلّامة أبو محمد عبد الله بن عزوز القرشي الشاذلي المراكشي، أحد أقطاب العلم الباطني في القرن الثاني عشر الهجري.

تمت كتابة هذه المخطوطة في عام 1174هـ، وتُعد واحدة من أعظم وأندر المخطوطات في المكتوم الروحاني، لما تحمله من أسرار عميقة في علوم الرمل والحروف والجفر والكشف واستحضار قوى الطبيعة والخوارق.

من هو عبد الله بن عزوز المراكشي؟

ينتمي الشيخ عبد الله بن عزوز إلى المدرسة الشاذلية الصوفية، وهو أحد كبار علماء المغرب في الفقه والروحانيات والتصوف. امتاز بقدرته الفائقة على الربط بين العلم الظاهر والباطن، واكتشف من خلال تجربته الصوفية والروحانية طرقًا دقيقة لفك الطلاسم وتحليل الأوفاق واستنزال الضمائر ومعرفة المجهول.

نبذة عن المخطوطة

تأتي مخطوطة “كنز العارفين” على هيئة كتاب مقسم إلى أبواب وفصول دقيقة، ويتناول كل باب علمًا من علوم الغيب أو طريقة في الكشف الروحاني. ومن أبرز ما تتضمنه:

علم الرمل

علم الحروف

علم الجفر

الأوفاق والطلاسم

استحضار الخدام والملوك

التسخير الروحاني

الكشف عن الضمائر والمغيبات

وقد تم تنظيمها بمنهج علمي رصين، حيث يبدأ المؤلف بشرح الأسس النظرية، ثم ينتقل إلى التطبيق العملي خطوة بخطوة.

الزايرجة والرمل: بداية الكشف

تبدأ المخطوطة بعرض علم الزايرجة، وهو أحد أقدم علوم التنبؤ والتأويل، قائم على ترابط الحروف والأرقام. يتبعه شرح تساكين الرمل، وهو تمهيد لحركة البيوت الروحانية التي تُستخرج من أشكال الرمل.

ثم ننتقل إلى أشكال الرمل، وعددها 16 شكلاً، يتم إسقاطها داخل 12 بيتًا وفق نظام دقيق يكشف نوايا السائل ويظهر خبايا الأمور. وتُربط هذه البيوت بالكواكب والأيام، مما يضفي عليها بعدًا فلكيًا مهمًا.

إخراج الضمير وتسخير الأجوبة الغيبية

يعرض الشيخ ابن عزوز طريقة استخراج الضمير الداخلي، أي السؤال الحقيقي الكامن في قلب السائل، سواء أكان ظاهره سؤال عن الغائب أو المريض أو المسروق. ويقدم تقنية “تسكين الزناتي” و”خليفة الرمل” لتثبيت الأشكال والكشف عن نية السائل، حتى دون أن ينطق بها.

كما يتناول تفصيلًا:

السؤال عن الغائب والمحبوس

تحديد هوية السارق

الكشف عن نية وعاقبته

تحليل الضمائر الحائرة داخل النفس البشرية

البيوت الفلكية والأسرار الكونية

يتحدث الشيخ عن تسكين البيوت بالأعداد، ويكشف عن “دائرة الرمل الكبير”، وهي تقنية تستخرج من خلالها الأسرار المكتومة والخفايا العجيبة المرتبطة ببيوت الرمل وكواكبها وتأثيراتها في كل وقت وساعة.

المندل الكبير: بوابة العوالم الخفية

أحد أبرز الأبواب في المخطوطة هو باب المندل الكبير، والذي يُعد من أقوى أساليب الاتصال بالعوالم الغيبية. يصف فيه المؤلف بدقة:

شروط ضرب الرمل الصحيح

طريقة تحضير الماء والمرايا

أشكال المندل السعيدة والمنحوسة

كواكب المندل وأوقاته الفلكية

الطلاسم والأوفاق: لغة الأرواح والطبيعة

تتعمق المخطوطة في عرض مجموعة من الطلاسم النادرة التي تُستخدم في الجلب والمحبة والكشف، منها:

طلسم المحبة والمقابلة

خاتم الجلب على الطبائع الأربعة

طلاسم البيضة وجلب الحضور

مخطوطات تحريك الجماد وإضمار الدعوة

وتشرح كيفية توليد الوفق الصحيح، وشروطه الفلكية، وتوقيتاته الروحانية.

استحضار الخدام والملوك الروحانيين

تشرح المخطوطة بأسلوب مدهش طرق استخدام خادم الخاتم وتحضير الملك سرمان، واستحضار هارون السحابي، والربط بـ الملك ميططرون.

كما تتناول دعوات عالية المقام مثل:

دعوة الجلجلوتية الكبرى

العزيمة الجامعة لقبائل الجان

العزيمة الأبَلوقية للجلب

قسم الدر النضير في الجلب

وهي أدعية وطلاسم تحتاج إلى طهارة ونقاء نية واتباع شروط دقيقة جدًا لضمان الاستجابة.

الساعات الفلكية وأنواع البخور

تفرد المخطوطة بابًا خاصًا لـ:

معرفة الساعات الفلكية السعيدة والنحيسة لكل عمل روحاني.

أنواع البخور المستخدم في الأعمال السفلية والعليا، وتأثير كل نوع منها حسب الكوكب والطبع.

أبواب الحاجات والخطف والنفقة

من الأبواب الفريدة التي تطرق إليها المؤلف:

قضاء الحاجات وتيسير المرادات

أسرار أبواب الخطف والنفقة

طرق جلب السحر المعقود وحله

يشرح فيه استخدام الأسماء الروحانية وبعض الدعوات الخاصة المرتبطة بالكواكب وساعات معينة.

قسم الحماية والتحصين قبل أي عمل روحاني

يختتم الشيخ مخطوطته بـ حرز روحاني قوي يُقرأ قبل كل عمل، ويحتوي على:

آيات قرآنية (مثل آية الكرسي)

أسماء ملائكية

طلاسم للحفظ من العوارض

تحصينات ضد الأذى والانعكاسات الروحانية

القسم الرابع: مفاتيح العلوم الخفية وتحريك الجماد

في هذا الباب، يتناول المؤلف بابًا عجيبًا وغامضًا من العلوم، وهو ما يعرف بـ”تحريك الجماد”، وهو علم يعنى بإضفاء حركة رمزية على أشياء غير حية، إما باستخدام الأسماء أو الطلاسم أو التواكيل الخاصة.

ومن أسرار هذا القسم:

إضمار الدعوة وخاتمها: وهو العمل الروحاني الذي يُضمر في القلب ويُختم بطلسم خاص.

طلسم المحبة والمقابلة: ويُستخدم في التهيئة النفسية والروحية للتقارب والقبول بين الأفراد.

خاتم الجلب والمحبة: يخُصّ عملًا يُحفر على خاتم روحاني بذكر أسماء مخصوصة لتيسير الألفة والوصال.

جلب على الطبائع الأربعة: وهو علم يربط بين العناصر الأربعة (الماء، النار، الهواء، التراب) لتوجيه المقاصد.

طلاسم الكف وطلاسم البيضة: وهما نوعان من الأعمال الخاصة بالجلب والحضور، تُرسم وتُحفظ بطرق دقيقة ويُقرأ عليها أدعية معينة.

القسم الخامس: مندل الملوك الأربعة واستخبار البيضة

الحديث هنا ينتقل إلى العلوم العميقة في عالم المندل، وهو علم استكشافي يعتمد على وسائل كالبخور أو الماء أو حتى البيض، لكشف الغيبيات.
ويتناول المؤلف:

مندل الملوك الأربعة: وهي طريقة لاستحضار أعوان من الملوك الروحانيين الأربعة المرتبطين بالعناصر.

استخبار البيضة: طريقة تقليدية لمعرفة خبايا الأمور الغيبية عبر مراقبة شكل البيضة النيئة بعد الدعوة.

القسم السادس: استحضار الخادم والملوك الروحانيين

يُعد هذا من الأبواب الأكثر حساسية في المخطوطة، حيث يتناول المؤلف كيفية التعامل مع العالم غير المرئي من الجان والروحانيين. ومن العناوين المهمة:

دعوة لاستخدام واستحضار خادم من الجان: وتفصيل الشروط الواجبة كالطهارة والصدق وعدم العبث.

تحضير الملك سرمان – ملك التنويم: وهو خادم يُستخدم في جلسات التنويم الروحاني واستخراج المعلومات من الباطن.

صفة الحبر الروحاني: ويشرح المؤلف نوع الحبر الذي يُستخدم في كتابة الطلاسم، ويُحضّر بمزيج خاص من الأعشاب والمواد الروحانية.

القسم السابع: الساعات الفلكية والبخور الروحاني

من أسرار علم الروحانيات الذي أفرده ابن عزوز في باب مستقل، هو الوقت المناسب للعمل، حيث يقول: لكل عمل ساعة، ولكل ساعة كوكب، ولكل كوكب أثر.

ويشمل هذا القسم:

الساعات الفلكية السعيدة والنحيسة: وطريقة حسابها باليوم والليلة حسب مواقع الكواكب.

أنواع البخور السفلي والعالي: مع شرح لكل نوع وأثره وتأثيره، كلبان الذكر، الجاوي، العنبر، الحرمل، وغيرها.

القسم الثامن: في الخطف وجلب السحر والنفقة

هذا الباب يختص بـأسرار الحركة والانتقال والغيبة، ويعرض فيه المؤلف أبوابًا دقيقة تُعنى بالنفقة أو الخطف الروحاني.

ويذكر:

أبواب النفقه والخطف: وهي رمزية لطرق كشف المستور والوصول إلى المجهول، مع عزائم خاصة لكل حالة.

جلب السحر واستحضار هارون السحابي: يُعد هارون أحد الخدام الروحانيين المعروفين في المخطوطات القديمة، وله عزيمة خاصة وطقوس مُهيبة.

القسم التاسع: استخدامات الأقسام الروحانية الكبرى

هذا الجزء يجمع فيه المؤلف أمهات العزائم والأقسام الكبرى في عالم الروحانيات، وتُستخدم في الأمور العظيمة والخطيرة.

قسم الجلجلوتية الكبرى: وهي دعوة عظمى تشتمل على أسرار لا تُفصح إلا لمن بلغ مرحلة عالية من الصفاء.

العزيمة الجامعة لقبائل الجان: عزيمة تقرأ لاستحضار طيف كبير من الأرواح العارفة.

العزيمة الإبلوقية للجلب وصرع العوارض: وهي من أقوى العزائم في المخطوطة، تستعمل لربط القرين أو دفع العارض أو الجلب الفوري.

القسم العاشر: الأقسام النادرة والحرز الشامل

يختم المؤلف المخطوطة بقسم نادر جدًا، يضم:

قسم الملك ميططرون: ويصفه بأنه قسم نافذ لأي غرض من أغراض استنزال الأرواح والملوك.

قسم الدر النضير في الجلب والاستخدام: ويتحدث عن الأثر النفسي الذي يتركه القسم في المستعمِل والمخاطَب.

قسم زجر على سائر العمار: وهو قسم يُستخدم لطرد العمار المؤذي من المنزل أو الجسد.

حرز يُقرأ قبل كل عمل روحاني: حرز جامع لكل نية، يُقرأ كتمهيد وحماية قبل البدء بأي عمل روحاني.

دعوة آية الكرسي (الخاتمة الروحانية)

تُختَتم المخطوطة بدعوة قوية مبنية على آية الكرسي، وهي دعوة تطهير وتنقية وقوة روحانية، ويقول فيها المؤلف:

“اقرأها بنية خالصة، وامضِ بها في طهارة ظاهر وباطن، فإنها الفاتح لكل مغلق، والمانع لكل شيطان مارد.”

خلاصة المقال: كنزٌ دفين لمن كان له قلب

مخطوطة “كنز العارفين في علوم الأولين” لابن عزوز المراكشي ليست مجرد كتاب، بل هي موسوعة روحانية نادرة، تضم علومًا باطنية لا توجد مجتمعة في أي مرجع آخر. تُعد هذه المخطوطة مرآة للعقل الباطني العربي في القرن الثاني عشر الهجري، وتُظهر قدرة فائقة على الجمع بين العلم الروحاني والتنظيم المنهجي.

هي مخطوطة خاصة لا تناسب كل الناس، ويجب التعامل معها باحترام، ومسؤولية، وبعد إذن وطلب العلم المشروع، فهي تحتوي على أسرار لم تُكتب إلا لذوي الفهم والحكمة.

إن “كنز العارفين في علوم الأولين” ليس مجرد مخطوطة قديمة، بل هو كتاب جامع يكشف سر العلاقة بين الروح والطبيعة، بين العقل والطاقة الكونية. كتاب يكسر الحواجز بين الظاهر والباطن، ويفتح للمريد بابًا إلى عوالم لا تُرى، بشرط الطهارة والنية الخالصة والعلم الراسخ.

📜 هذه المخطوطة مناسبة للباحثين الجادين في علوم الروحانيات، ومحبي التراث الباطني العريق، وهي الآن متاحة في متجرنا النادر للمهتمين بدراسة هذا العلم العظيم.

تنبيه مهم: جميع الأعمال الروحانية المذكورة في هذه المخطوطة لا يُنصح بها إلا للمتمرسين والعاملين في هذا العلم بإذن ووراثة شرعية، ويجب عدم استخدامها لأغراض ضارة أو شخصية مخالفة للشرع أو الأخلاق.

خاتمة

يظل كتاب “كنز العارفين في علوم الأولين” من أندر الكتب التي جمعت بين الروحانيات، الطلسمات، وعلم الطاقة في إطار من الحكمة القديمة، بعيدًا عن أي ممارسات شعبية غير منضبطة. قراءته تحتاج إلى نية طاهرة وإدراك كامل بأن هذه المعارف أمانة وليست لعبة.

ندعو القارئ إلى التعمق في فهم هذه العلوم من منظور ثقافي وتراثي وعلمي، مع الحذر من الممارسات الخطرة أو غير الشرعية.