ابن سينا: العالِم الذي تجاوز حدود الزمان والمكان 427 هـ
اسمه وبياناته:
ابن سينا، أو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، لم يكن “ابن” سينا مباشرة، بل هو حفيد الحفيد لرجل يُدعى سينا. يُعتبر ابن سينا من أبرز أعلام الحضارة الإسلامية والعالم القديم في مجالات الطب، الفلسفة، وعلوم ما وراء الطبيعة.
وُلِدَ سنة 370 هـ (980م) في قرية أفشنة قرب بخارى، الواقعة في أوزبكستان حالياً، لأب من مدينة بلخ (في أفغانستان حالياً) وأمّ قروية. وتوفي في مدينة همدان (في إيران اليوم) سنة 427 هـ (1037م). لُقّب في الشرق بـ”الشيخ الرئيس”، بينما عرفه الغرب بلقب “أمير الأطباء” و”أبو الطب الحديث” في العصور الوسطى.
ألّف ابن سينا ما يزيد عن 200 كتاب في مواضيع متعددة، ركّز كثير منها على الطب والفلسفة، وكان له حضورٌ بارز في علوم الخوارق والسحر الطبيعي، والعوالم غير المنظورة. ويُعد من أوائل من كتب عن الطب بأسلوب علمي دقيق، متأثراً بمنهج أبقراط وجالينوس.
إرث طبي وفلسفي خالد
من أشهر أعماله كتاب “القانون في الطب”، الذي ظلّ المرجع الرئيسي لتدريس الطب في أوروبا والعالم الإسلامي لأكثر من سبعة قرون. كما يُعد من أوائل من وصفوا التهاب السحايا الأولي وصفاً دقيقاً، وشرح أسباب اليرقان، وحدد أعراض حصى المثانة. ولفت الانتباه إلى أثر العوامل النفسية في شفاء المرضى، مما يعكس فهماً عميقاً لارتباط الجسد بالعقل والروح.
ولابن سينا أيضاً كتابه الضخم “الشفاء”، وهو موسوعة شاملة تناولت المنطق، والفلسفة، والعلوم الطبيعية، والفلك، والرياضيات، وما وراء الطبيعة.
ابن سينا والعلوم الروحانية
لم يكن ابن سينا عالماً مادياً فقط، بل كان له باعٌ طويل في علوم الروح، السيمياء، وسحر العيون، وقلب الأشياء. وقد وردت عنه روايات تشير إلى أنه كان يمارس جلسات خاصة يُشعل فيها البخور، ويغمر رأسه في جلبابه، ويتلو أسماءً خفية بقوة عجيبة، حتى يظهر للحاضرين خيالات ووحوش كأنهم دخلوا عالماً آخر. هذه الممارسات، التي وُصفت في بعض الكتب القديمة، تبرهن على إدراكه العميق لأسرار الروح وتأثير القوى غير المرئية.
وكان لابن سينا إسهامات واضحة في علم الحروف والأوفاق، وهو علم يبحث في تأثير ترتيب الحروف وطاقة الأرقام على الواقع المادي والروحاني، وقد أفرد له في مؤلفاته فصولاً كاملة تتعلق بتسخير الأرواح والتأثير على الأحداث.
علاقة ابن سينا بعلوم السحر والخوارق:
كان ابن سينا يؤمن بأن لكل شيء في الوجود طاقة خفية، وأن الكلمة والحرف يحملان قوة تتجاوز الإدراك البشري المعتاد. وتحدثت بعض الروايات عن مجالسه الغامضة، حيث يُقال إنه كان يشعل البخور، ويغمر رأسه داخل جلبابه، ويتلو أسماءً مخصوصة بقوة نادرة، ما كان يثير دهشة الحاضرين حين يشاهدون خيالات ووحوشاً تتجسد أمامهم، وكأنهم عبروا إلى عالمٍ موازٍ.
ومن المعروف أيضاً أن ابن سينا كتب في “علم الحروف والأوفاق”، وهو علم يبحث في أسرار تركيب الحروف وتأثيرها على الطبيعة والإنسان، وقد أفرد له صفحات طويلة ضمن مؤلفاته. ويُعتقد أن هذا العلم كان بالنسبة له مفتاحاً لفهم العلاقات الخفية بين الكون والروح.
لم تكن كتاباته مقتصرة على الطب والعقل، بل تجاوزت إلى علوم السحر الرفيع والفلسفة الباطنية، وقد ترك إرثاً ضخماً لمن أراد التعمق في العوالم غير المرئية.
إن الحديث عن ابن سينا لا يكتمل دون الاعتراف بأنه لم يكن مجرد طبيب أو فيلسوف، بل كان عالِماً يملك بصيرة خارقة وسعياً حقيقياً لفهم الأسرار الكونية من منظورٍ روحاني وعقلي متوازن.
الحقبة الذهبية وإنتاج ابن سينا الفكري
كان إنتاج ابن سينا من المؤلفات والأعمال العلمية غزيرًا إلى حد لافت، وجاء في ذروة ما يُعرف بـ”العصر الذهبي للحضارة الإسلامية”، وهو العصر الذي شهد نهضة علمية وفكرية كبرى، اتسمت بالانفتاح على تراث الأمم السابقة، حيث انتشرت ترجمات النصوص اليونانية، الرومانية، الفارسية، والهندية على نطاق واسع بين العلماء والمفكرين المسلمين.
تمت دراسة هذه النصوص، خصوصًا تلك ذات الطابع الفلسفي كالأفلاطونية والأرسطية، من خلال شروحات وتعليقات أضافت عليها الكثير، خاصةً بعد أن ترجمتها مدرسة الكندي، ثم جرى تطويرها ودمجها في إطار فكري إسلامي متكامل. كما استُفيد من الأنظمة الرياضية الفارسية والهندية، ومن علوم الفلك، الجبر، الطب، وحساب المثلثات، مما هيّأ أرضية معرفية خصبة لابن سينا ومن في جيله.
بيئة مزدهرة للعلم والمعرفة
وفّرت السلالة السامانية في خراسان الكبرى وآسيا الوسطى، والسلالة البويهية في غرب فارس والعراق، بيئة فكرية مزدهرة دعمت النشاطات العلمية والثقافية. وقد تنافست بخارى، عاصمة السامانيين، مع بغداد كمركز ثقافي بارز للعالم الإسلامي آنذاك، ما جعلها محط اهتمام العلماء من مختلف المشارب.
وفي هذا المناخ المتميز، ازدهرت دراسة القرآن والحديث، إلى جانب تطور الفلسفة، الفقه، وعلم الكلام، حيث برز ابن سينا كواحد من أعمدة هذا التطور، وكان في ذات الوقت محاورًا لخصومه الفكريين، مما أضاف إلى نتاجه الفكري بعدًا جدليًا وتكامليًا.
شبكة علمية ولقاءات فكرية
كان لابن سينا وصولٌ مباشر إلى كبرى المكتبات العلمية في مناطق مثل بلخ، خوارزم، جرجان، الري، أصفهان، وهمدان، مما أتاح له الاطلاع على مخطوطات نادرة، وتعمّق في المعارف السابقة، وأضاف إليها من فكره وفهمه المتقد.
وتشير نصوص متعددة – أبرزها ما ورد في “العهد مع بهمنيار” – إلى أن ابن سينا لم يكن مجرد قارئ أو ناقل، بل كان محاورًا نشطًا لنخبة من علماء زمانه. قبل مغادرته خوارزم، التقى بكبار العلماء مثل:
البيروني: العالم الموسوعي الشهير، صاحب البصمة العميقة في الفلك والرياضيات.
أبو نصر منصور بن عراق: من أبرز علماء الرياضيات.
أبو سهل المسيحي: فيلسوف بارع ومحترم.
أبو الخير خمار: أحد أعيان الفكر في زمنه.
عبقرية لا تُحدّها الجغرافيا
عبر هذا التفاعل المستمر بين ابن سينا والعقول اللامعة لعصره، نستطيع أن نلمس عمق النسيج الثقافي الذي احتضنه، وغذّى عبقريته، وصقل فكره. لقد كان نتاجه الفكري ثمرة لتلاقي الحضارات، وتمازج العلوم، وانفتاح العقل الإسلامي على الكون بكل مكوناته.
رحلة ابن سينا مع الميتافيزيقيا والفلسفة
عاش ابن سينا في شبابه لحظات حيرة فكرية عميقة، خاصةً عند مواجهته لأول مرة مع كتاب الميتافيزيقيا لأرسطو، الذي بدا له غامضًا ومحيّرًا. ورغم قراءته المتكررة للكتاب — حتى وصل إلى أربعين مرة — بقيت معانيه عصيّة على الفهم، إلى أن قاده القدر يومًا إلى اكتشاف صغير لكنه بالغ الأثر: تعليق مختصر للفارابي على العمل، اشتراه بثلاثة دراهم فقط من إحدى المكتبات.
كان لهذا التعليق البسيط مفعول السحر؛ إذ انكشفت له خيوط الفهم، وتبدد الغموض الذي أحاط بأفكاره طويلاً. ويقال إنه من شدة فرحه بهذا الاكتشاف، خرج يتصدق على الفقراء شكرًا لله على هذه النعمة المعرفية.
في تلك الليالي المظلمة، لم يكن ابن سينا ينام إلا لتلاحقه الأسئلة في أحلامه، فينهض من نومه بحلٍ أو فكرة جديدة. هكذا كانت الفلسفة بالنسبة له — تحدٍ دائم وإصرار لا يلين.
من عبقري في الفلسفة إلى طبيب بارع
في سن السادسة عشرة، وجّه ابن سينا اهتمامه نحو الطب، ولم يكتفِ بالنظريات بل شارك في علاج المرضى ميدانيًا، دون طلب أجر، رغبةً في التعلم وخدمة الناس. وبحسب روايته، ابتكر أساليب جديدة للعلاج خلال هذه الفترة.
وفي سن الثامنة عشرة، نال مكانته كطبيب مؤهل، وقال عن الطب إنه علم “ليس شاقًا مثل الرياضيات أو الميتافيزيقيا”، مما جعله يتقدم بسرعة مذهلة. انتشرت سمعته بسرعة كبيرة، حتى أصبح يعالج الناس بكفاءة عالية دون مقابل، مؤكدًا بذلك التزامه الأخلاقي والعلمي.
خلاف حول انتمائه المذهبي
من الأمور التي أثارت جدلاً واسعًا بين المؤرخين هي الهوية المذهبية لابن سينا. فقد:
اعتبره ظهير الدين البيهقي من أتباع جماعة إخوان الصفا.
أظهر ديميتري جوتاس وآخرون أنه كان سنيًا حنفيًا.
أكد نور الله شوشتري، نقلاً عن سيد حسين نصر، أنه كان شيعيًا اثني عشريًا.
في المقابل، رأى شرف خراساني، مستندًا إلى رفض ابن سينا عرض السلطان محمود الغزنوي، أن ابن سينا كان إسماعيليًا.
وتنعكس هذه الخلافات أيضًا على خلفية عائلته، إذ انقسم الباحثون حول كون أسرته سنية أو شيعية، وما زالت هذه المسألة محل جدل بين المؤرخين حتى اليوم.
بدايات ابن سينا ومسيرته المهنية
كان أول عمل مهم لابن سينا هو تعيينه طبيبًا للأمير نوح الثاني، حيث أنقذه من مرض خطير عام 997م. لم تكن المكافأة مالًا أو مكانة فحسب، بل فتح له بابًا إلى كنز معرفي ثمين: المكتبة الملكية للسامانيين، والتي كانت منارة للعلم والمعرفة في ذلك العصر. غير أن هذه المكتبة احترقت بعد مدة وجيزة، واتهمه أعداؤه بإشعال الحريق لإخفاء مصادر معرفته، في محاولة لتشويه سمعته.
ورغم انشغاله بعمله مع والده في الأمور المالية، إلا أن شغفه بالعلم لم يفارقه، فكان يجد دائمًا وقتًا للكتابة والدراسة.
رحلته بعد سقوط الدولة السامانية
في سن الثانية والعشرين، توفي والده، وسقطت الدولة السامانية في ديسمبر 1004م. رفض ابن سينا عروض السلطان محمود الغزنوي، واتجه غربًا إلى أورجينش (في تركمانستان الحالية)، حيث منحه أحد الوزراء محبّي العلماء راتبًا شهريًا متواضعًا. وبسبب قلة الموارد، بدأ في التنقل بين المدن، من نيسابور إلى مرو، وصولاً إلى حدود خراسان، بحثًا عن راعٍ يقدّر علمه.
في عام 1012م، كانت لديه آمال في اللجوء إلى قابوس، حاكم طبرستان الشاعر والعالم، لكنه توفي جوعًا قبل أن يصل إليه ابن سينا. في هذه الفترة، أصيب ابن سينا بمرض شديد.
الاستقرار والتدريس في هركانيا
وجد ابن سينا أخيرًا ملاذًا في غورغان، قرب بحر قزوين، حيث التقى بصديق قديم وسكن بجواره. وهناك بدأ بإلقاء المحاضرات حول المنطق والفلك، وكتب العديد من الأطروحات لصالح راعيه الجديد. كما بدأ في تأليف أعظم كتبه: “القانون في الطب”، والذي بدأه خلال إقامته في هركانيا.
الري وهمدان: العمل الوزاري والصراع السياسي
انتقل ابن سينا إلى الري، بالقرب من طهران الحالية، حيث عمل تحت حكم مجد الدولة، أحد أمراء الدولة البويهية. هناك كتب ما يقارب ثلاثين مؤلفًا قصيرًا. لكن الصراعات بين الوصيّ وابنها أجبرته على المغادرة إلى قزوين، ثم إلى همدان، حيث أصبح في خدمة الأمير شمس الدولة.
في البداية، التحق بخدمة سيدة مرموقة، لكن الأمير سرعان ما استدعاه كطبيب خاص، ورفعه لاحقًا إلى منصب الوزير. غير أن تقلبات السياسة دفعته إلى النفي. اختبأ حينها في منزل أحد أصدقائه، حتى أُصيب الأمير بمرض خطير، فاستدعاه مجددًا وأعاده إلى منصبه.
رغم الاضطرابات السياسية، واصل ابن سينا التدريس والتأليف. كل مساء، كان يُملي على تلاميذه مقتطفات من أعماله الفلسفية مثل “الشريعة” و”الشفاء”.
السجن والهرب إلى أصفهان
بعد وفاة الأمير، دخل ابن سينا في فترة من التخفي، حيث كثّف نشاطه العلمي وواصل الكتابة. تواصل مع أبو جعفر، حاكم أصفهان، عارضًا عليه خدماته. اكتشف أمير همدان هذه المراسلات، فزجّ به في السجن.
في عام 1024م، اندلعت الحرب بين حكام أصفهان وهمدان، وانتهت بسيطرة الأصفهانيين على همدان. أُطلق سراح ابن سينا، لكنه هرب بعدها متخفيًا بزيّ صوفي، برفقة شقيقه وتلميذين واثنين من العبيد، في رحلة محفوفة بالمخاطر. وأخيرًا، وصل إلى أصفهان، حيث استُقبل بحرارة من الأمير وبدأ مرحلة جديدة من حياته العلمية.
إسهامات ابن سينا في الفلسفة والعلوم
كان ابن سينا من أبرز المفكرين في تاريخ الفلسفة الإسلامية، وكتب على نطاق واسع في مواضيع المنطق، والأخلاق، والميتافيزيقا. من بين أشهر مؤلفاته في هذه المجالات أطروحتا “المنطق” و”الميتافيزيقا”، واللتان تمثلان ركيزة لفهمه العميق للعقل والفكر الفلسفي.
وقد كتب معظم أعماله باللغة العربية، التي كانت آنذاك لغة العلم والثقافة في العالم الإسلامي، إلا أن له بعض المؤلفات الهامة باللغة الفارسية، التي لا تزال تحظى بقيمة لغوية وفكرية حتى اليوم، ومن أبرزها:
“دانِشنامه علائي” (موسوعة علاء الدولة)،
“فلسفة علاء الدولة”.
وفي تعليقاته على أعمال أرسطو، لم يكتف ابن سينا بالشرح، بل فتح باب النقاش والنقد، وساهم في تعزيز روح الاجتهاد والنقاش الفلسفي البنّاء، مما جعله يُعد من أوائل المجددين في الفكر الفلسفي الإسلامي.
تأثيره على الفكر الكلامي والفلسفي الأوروبي
قدم ابن سينا تصورًا خاصًا للأفلاطونية من خلال مبدأ “الانبثاق”، والذي أصبح لاحقًا أساسًا للفكر الكلامي (علم العقيدة) في المدارس الإسلامية، خاصة في القرن الثاني عشر الميلادي.
أما في أوروبا، فقد وصل تأثيره بعد حوالي خمسين عامًا من تأليف كتابه الشهير “الشفاء”، والذي تُرجم جزئيًا إلى اللغة اللاتينية تحت عنوان “Sufficia”. هذه الترجمة كانت بداية لدخول الفلسفة الإسلامية إلى الفكر الأوروبي، حيث أسهمت في إثراء ما يُعرف بـ “علم الطيور اللاتيني”، الذي ازدهر إلى جانب تيارات أخرى مثل المدرسة الباريسية اللاهوتية، التي قيدت تدريس بعض الفلسفات بقرارات شهيرة في عامي 1210 و1215م.
تأثيره في الفلسفة الغربية
لم تقتصر تأثيرات ابن سينا على العالم الإسلامي فقط، بل امتدت إلى الفكر الغربي أيضًا. فقد كان لأفكاره في علم النفس ونظرية المعرفة أثرٌ بالغ في فكر ويليام أوفيرن (أسقف باريس) وألبرتوس ماغنوس، أحد أعمدة الفلسفة المسيحية.
أما في الميتافيزيقا، فقد شكلت كتاباته مصدر إلهام مباشر للفيلسوف اللاهوتي توماس الأكويني، الذي اعتمد على منهج ابن سينا في فهم جوهر الوجود والروح والعقل، مما يؤكد العلاقة العميقة بين الفلسفة الإسلامية واللاهوت المسيحي الأوروبي.
الأيام الأخيرة لابن سينا ورحلته الخالدة
في أواخر أيامه، اعتلّ جسد ابن سينا بالمرض، حتى أصبح يتناوب بين أسبوع من المرض وآخر من العافية. حاول العلاج، وأكثر من تناول الأدوية، لكن حالته لم تتحسن، بل ازداد مرضه حدة، حتى أدرك بفراسته الطبية أنه لا أمل في الشفاء، فقال كلمته الشهيرة:
«إن المدبر الذي في بدئي عجز عن تدبير بدني، فلا تنفعنّ المعالجة».
عندها، أدار ظهره للدنيا، واغتسل استعدادًا للقاء ربه، وتاب توبة نصوحًا. تصدق بكل ما يملك، وأعتق غلمانه طلبًا للمغفرة والرحمة، وبدأ في ختم القرآن الكريم كل ثلاثة أيام، في رحلة روحية تعكس نضج روحه وعمق إيمانه.
وفي شهر رمضان المبارك، من عام 1037م، فارق ابن سينا الحياة عن ثمانية وخمسين عامًا، ودُفن في مدينة همدان في إيران.
لقد رحل وهو في قمة المجد العلمي والفكري، إذ اعتُبر أحد أعظم عباقرة الفلسفة الإسلامية، وفي الطب نُظر إليه كخَلَفٍ لجالينوس، حتى لُقّب بـ “جالينوس الإسلام”.
إرث خالد وتقدير عالمي
بقيت شهرة ابن سينا تتألق في الآفاق، وتسابقت الشعوب للاحتفاء بذكراه.
ففي عام 1937م، نظم الأتراك أول مهرجان احتفالي بمناسبة مرور تسعمائة عام على وفاته.
ثم تبعهم العرب والفرس، حيث أُقيم مهرجان ضخم في بغداد عام 1952، وآخر في طهران عام 1954.
وفي عام 1978م، دعت منظمة اليونسكو جميع الدول الأعضاء للمشاركة في احتفال عالمي بذكرى ألف عام على ولادة ابن سينا، وقد تم هذا الاحتفال في دمشق عام 1980، بحضور ممثلي كل الدول، اعترافًا عالميًا بإسهاماته البارزة في الطب والفلسفة.
مؤلفات ابن سينا
ترك ابن سينا وراءه إرثًا علميًا ضخمًا، إذ ألّف ما مجموعه 276 مؤلفًا، معظمها باللغة العربية، وهي لغة العلم آنذاك، بينما كتب عددًا قليلاً من المؤلفات الصغيرة بلغته الأم الفارسية.
لكن للأسف، لم يصلنا إلا جزء من هذا الإرث، حيث اندثر الكثير منها بمرور الزمن، وما تبقى منها هو 68 مؤلفًا محفوظًا وموزعًا بين مكتبات العالم شرقًا وغربًا.
لمزيد من المعلومات قم بزيارة صفحتنا على الفيسبوك
لشراء المزيد من المخطوطات النادرة قم بالتسوق الان او تواصل معنا