ابن عربي وعلاقته بالعلوم الروحانية والخوارق وعلوم ما وراء الطبيعة 558 هـ
ابن عربي وعلاقته بالعلوم الروحانية والخوارق وعلوم ما وراء الطبيعة
يُعد الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي من أبرز أعلام التصوف والفكر الروحاني في التاريخ الإسلامي. وُلد في مدينة مرسية بالأندلس في السابع عشر من رمضان عام 558 هـ، الموافق لـ 28 يوليو 1164م، قبل عامين من وفاة الإمام عبد القادر الجيلاني، وتوفي في دمشق عام 638 هـ (1240م)، حيث دُفن في سفح جبل قاسيون، ولا يزال قبره مزارًا للمريدين والباحثين عن الحقيقة.
من هو ابن عربي؟
هو محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، أحد أعظم المتصوفة والفلاسفة في الإسلام. أُطلق عليه أتباعه ومحبوه ألقابًا عديدة مثل:
الشيخ الأكبر
سلطان العارفين
إمام المحققين
البحر الزاخر
رئيس المكاشفين
يُعدّ ابن عربي علامة فارقة في تاريخ التصوف الإسلامي، حيث تجاوزت مؤلفاته المعروفة 800 مؤلف، لم يبقَ منها إلا حوالي 100، وتنوعت موضوعاتها بين الفلسفة الإلهية، والعرفان، والتفسير الروحي للقرآن، وعلوم الحروف والأرقام.
ابن عربي والعلوم الروحانية
تميز ابن عربي بفهمه العميق للروحانيات والعلوم الباطنية، وقد كانت كتاباته ملاذًا للباحثين في علوم ما وراء الطبيعة والأسرار الخفية للوجود. ومن أبرز إسهاماته في هذا المجال:
1. علم الحروف والأرقام
يُعتبر ابن عربي من أوائل من قاموا بتفسير العلاقة بين الحروف والأرقام وتأثيرها على الطبيعة والإنسان، مستندًا إلى مفاهيم إلهامية مستمدة من النصوص القرآنية والتأمل الصوفي. فقد رأى أن لكل حرف طاقة خاصة تؤثر في حركة الكون.
2. علم الأوفاق
ارتبط اسمه أيضًا بـ علم الأوفاق، وهو علم يعتمد على ترتيب الأعداد والحروف في جداول معينة (مربعات سحرية) بغرض الوصول إلى تأثيرات نفسية وروحانية. وقد استخدمه البعض في الدعاء، والتأمل، والتحصين.
3. البسط والتكسير
وهو من العلوم الغامضة التي تناولها ابن عربي ضمنيًا في بعض مؤلفاته، وتُستخدم لتفكيك النصوص والأسماء إلى رموز عددية، في سبيل استكشاف الطاقات الكامنة خلف الكلمات.
فلسفة ما وراء الطبيعة في فكر ابن عربي
لقد تجاوز ابن عربي المفاهيم التقليدية للروحانيات ليؤسس نظرية موحدة للوجود تُعرف اليوم باسم وحدة الوجود، وهي رؤية تقول بأن الوجود واحد، وكل شيء في الكون هو تجلٍّ لله سبحانه وتعالى.
في هذا الإطار، لم يكن الغيب والخارق بالنسبة لابن عربي سوى مظاهر من مظاهر الحقائق الكونية، يُمكن إدراكها من خلال التأمل والرياضة الروحية.
تأثيره في الحضارات والعلوم الباطنية
أثّرت مؤلفات ابن عربي في الشرق والغرب على حد سواء. فقد تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، ودرسها الفلاسفة والمتصوفة والمستشرقون على مدار قرون، ولا يزال حتى اليوم يُعد مرجعًا مهمًا في علوم الباطن، والفلسفة الصوفية، والعرفان.
سيرة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
وُلد محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي في مدينة مرسية بالأندلس في 17 رمضان عام 558 هـ، الموافق لـ 28 يوليو 1164م. عُرف بين أتباعه من الصوفية بلقب الشيخ الأكبر، واشتهر في المشرق العربي باسم محيي الدين بن عربي، واعتُبر أحد كبار الأولياء في التصوف الإسلامي.
رغم انتمائه الظاهري للتيار الصوفي، فقد أثارت كتاباته اهتمام أتباع المذهب الشيعي الاثني عشري، نظرًا لما تتضمنه من إشارات وتقدير للأئمة، ما جعله محل جدل بين المؤرخين حول ميوله المذهبية. ويُرجّح بعض الباحثين أنه كان أقرب إلى المذهب الظاهري في الفقه.
انتشار فكره وتأثيره
ما ميّز تعاليم ابن عربي أنها لم تبقَ حبيسة الطبقات العليا أو النخبة، بل وجدت صدى واسعًا بين عوام المسلمين في العصور اللاحقة، نتيجة المد الصوفي الذي اجتاح العالم الإسلامي.
وقد تُرجمت مؤلفاته إلى عدة لغات شرقية منها:
الفارسية
التركية
الأردية
وبفضل هذا الانتشار، أصبح مرجعًا هامًا للعديد من الشعراء والمتصوفين، الذين استلهموا من أفكاره فلسفة الحب الإلهي والبحث عن الذات.
أصوله العائلية
ينحدر ابن عربي من عائلة عريقة ومتداخلة الأصول.
والده، علي بن محمد، كان عربي الأصل، من قبيلة طيء، إحدى أقدم القبائل العربية.
أما والدته، فكانت أمازيغية، ما يمنحه خلفية ثقافية متنوعة أثّرت على رؤيته الروحية والفكرية.
في مؤلفاته، يُشير ابن عربي إلى عمه يحيى الصنهاجي، وهو شخصية بارزة من قبيلة صنهاجة، تولّى منصب أمير مدينة تلمسان. لكنه تخلى عن الحكم واتجه إلى التصوف بعد لقائه بأحد الشيوخ الروحيين، ما يعكس تأثير البيئة العائلية الروحية في نشأة ابن عربي.
نشأته وتعليمه
عمل والد ابن عربي في البداية في جيش ابن مردنيش، حاكم مرسية، ثم بعد وفاته عام 1172م، انتقل للخدمة في بلاط السلطان الموحدي أبو يعقوب يوسف الأول، وانتقلت العائلة معه إلى مدينة إشبيلية، إحدى أبرز الحواضر الأندلسية آنذاك.
في إشبيلية، تلقى ابن عربي تعليمًا مميزًا داخل بلاط الحاكم، حيث تعلّم الفقه، والأدب، والفلسفة، إضافة إلى التدريب العسكري. وقد مكّنه هذا المناخ الثقافي والسياسي من تولّي منصب سكرتير حاكم إشبيلية عندما بلغ سن الرشد.
كما تزوّج ابن عربي من سيدة تُدعى مريم، من أسرة مرموقة، ما وفّر له مزيدًا من الدعم الاجتماعي والمعرفي خلال سنوات تكوينه الروحي والفكري.
نشأته وتعليمه المبكر
وُلد محيي الدين بن عربي في مدينة مرسية بالأندلس، من أبٍ عربي طائي وأمٍ تنتمي إلى قبيلة خولان. وقد عُرف عند الصوفيين بلقب الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، لما له من مكانة فريدة بين أعلام التصوف والفلسفة الإسلامية.
نشأ في بيئة علمية ودينية راسخة؛ فوالده، علي بن محمد، كان من أئمة الفقه والحديث، ومن أهل الزهد والتقوى، أما جده فكان من قضاة الأندلس وعلمائها البارزين. هذا الجو الروحي والعلمي كان له بالغ الأثر في تشكيل شخصية ابن عربي.
انتقاله إلى إشبيلية
انتقل مع عائلته إلى إشبيلية، التي كانت آنذاك تحت حكم السلطان محمد بن سعد، وتُعد من أبرز عواصم الحضارة والعلم في الأندلس. هناك بدأ محيي الدين تعليمه منذ صغره، إذ التحق بحلقة أبي بكر بن خلف، عميد الفقهاء في عصره، حيث أتم حفظ القرآن الكريم بالقراءات السبع قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، وكان ملمًا أيضًا بالمعاني والإشارات الصوفية.
بعد ذلك، أرسله والده إلى مجموعة من رجال الفقه والحديث الذين تنقّلوا به بين مدن الأندلس والمشرق، قبل أن يستقر أخيرًا في دمشق، حيث قضى بقية حياته حتى وفاته في عام 1240م، ودفن فيها.
رؤيا الطفولة وميوله الصوفية
في شبابه، مرض مرضًا شديدًا لازمه لفترة، وخلال الحمى، رأى في المنام عددًا من الأرواح الشريرة تُحيط به وتحاول إيذاءه، ثم ظهر له رجل قوي مشرق الوجه هزم هذه الأرواح وأبعدها عنه.
وحين سأله ابن عربي عن هويته، أجابه:
“أنا سورة يس.”
استيقظ ليرى والده يتلو سورة يس عند رأسه، فكانت تلك الرؤيا نقطة تحوّل روحي، أيقظت في نفسه يقينًا بأنه مُعدّ لحياة روحانية، ودفعته للسير في طريق التصوف بوعيٍ ويقين.
زواجه وحياته الروحية
تزوّج ابن عربي من فتاة فارسية تُدعى نظام، وهي ابنة الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني، أحد كبار شيوخ فارس آنذاك. كانت نظام مثالًا في الجمال الظاهري والكمال الروحي، ولها أثر بالغ في حياته، إذ كانت شريكته في التصفية الروحية، بل وأحد دوافعه للاستغراق أكثر في عالم التصوف والتجليات.
تأثره بالفلسفات القديمة
في شبابه، كان يتردد على إحدى المدارس الفلسفية في الأندلس، حيث تعلّم سِرًا بعض تعاليم المذهب الأمبيذوقلي المُحدث، وهو مذهب فلسفي رمزي مستمد من أفكار الفيثاغورية والأورفيوسية والروحانيات الهندية.
وكان من أشهر أساتذة هذا الاتجاه ابن العريف، المتوفى سنة 1141م، والذي ترك بصمة فكرية وروحية في تراث ابن عربي.
نشأته الروحية
إنّ الاستعداد الفطري الذي وُلد به ابن عربي، إلى جانب نشأته في بيئة دينية صوفية، وتردده المبكر على المدارس الرمزية والفلسفية، كلها عوامل اجتمعت لتُشكّل شخصيته الروحية في سنٍ مبكرة.
فما إن بلغ العقد الثاني من عمره، حتى انغمس في أنوار الكشف والإلهام، وبدأ يسير بثقة في طريق التصوف. وبحلول العشرين من عمره، أعلن أنه مُسيَّر في الطريق الروحي، وأن الله قد فتح له بابًا إلى أسرار الحياة الصوفية، وبدأ يرى خفايا كونية تتجلى له شيئًا فشيئًا.
سعي دائم للكمال
كرّس ابن عربي حياته للبحث عن الكمال الروحي، فكانت أيامه ولياليه سلسلةً من المجاهدة، سعيًا وراء ما يحقق صفاء النفس وتزكيتها. وقد صرّح في كتاباته بأنه ظفر بكثيرٍ من الأسرار التي حُجبت عن غيره، ليس فقط من خلال التأمل والعبادة، بل أيضًا عبر الاتصال الروحي برجال الحقيقة من مختلف الأديان والمذاهب.
انفتاحه على الحكماء السابقين
ومن المدهش أن ابن عربي، وهو لا يزال في قرطبة، قد تكشّفت له أسرار عددٍ من حكماء العصور القديمة من فارس واليونان، مثل فيثاغورس، وأمبيذوقليس، وأفلاطون. وقد شكّل هذا الانفتاح أحد أسباب شغفه بالاطلاع على التجارب التنسكية لكافة المذاهب والملل، لا عن طريق الدراسة فحسب، بل من خلال اللقاء الروحي المباشر مع أرواح رجالها الحقيقيين، كما عبّر هو.
الفتوحات المكية
كل هذه التجارب والأنوار تجسدت في أبرز مؤلفاته، وعلى رأسها كتابه الشهير “الفتوحات المكية”، الذي يُعد موسوعة صوفية وفلسفية كبرى، يمكن من خلاله تتبّع تطور أفكاره وأسراره الروحية التي جمعها عبر سنوات التنسك والتأمل والسفر بين الظاهر والباطن.
رحلاته الروحية والعلمية
نداء الغيب ورحلة الشرق
يحكى أن ابن عربي رأى في يقظته مشهدًا روحانيًا مهيبًا؛ إذ وقف أمام العرش الإلهي المحمول على أعمدة من لهب متفجر، ورأى طائرًا بديعًا يحلق حول العرش. أُصدر إليه أمرٌ سماوي بالارتحال نحو الشرق، مع تبشيرٍ بأن مرشدًا روحانيًا سيرافقه، وأن رفيقًا بشريًا في مدينة فاس ينتظره (594هـ).
وفي العام التالي (595هـ)، كان في غرناطة مع شيخه أبي محمد عبد الله الشكاز، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلاته الطويلة إلى المشرق.
إلى مكة وظهور نظام
بين عامي 597هـ – 620هـ (1200م – 1223م)، بدأ ابن عربي رحلاته الكبرى نحو الشرق الإسلامي، واستقر لاحقًا في دمشق.
وفي 1201م، وصل إلى مكة، حيث التقى بشيخ فارسي جليل، والتقى بابنته نظام، فتاة تجمعت فيها المحاسن الظاهرة والباطنة، فاتخذها رمزًا روحيًا للـ”حكمة الخالدة”، ونسج حول هذا الرمز قصائد ديوان “ترجمان الأشواق”، الذي ألّفه في تلك الفترة.
وفي مكة، تجلى له مرشده السماوي مرة أخرى، يأمره ببدء تأليف أعظم كتبه، الفتوحات المكية، وهو عمل موسوعي ضخم جمع فيه أهم رؤاه الصوفية والعقلية.
رحلات متتالية
599هـ: زار الطائف، وكتب فيها رسالته حلية الأبدال، بعد استخارةٍ لله عند قبر عبد الله بن العباس رضي الله عنه.
601هـ / 1204م: ارتحل إلى الموصل، حيث قابل علي بن عبد الله بن جامع، الذي ألبسه الخرقة الصوفية، وقال إنه تلقاها عن الخضر عليه السلام.
في نفس العام، زار قبر النبي محمد ﷺ وقال:
«وقد ظلمت نفسي وجئت إلى قبره صلى الله عليه وسلم، فرأيت الأمر على ما ذكرته وقضى الله حاجتي.»
من القاهرة إلى قونية
1206م: وصل إلى القاهرة.
1207م: عاد إلى مكة وأقام ثلاث سنوات، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى قونية (تركيا) حيث استُقبل بحفاوة من الأمير السلجوقي.
هناك تزوج والدة صدر الدين القونوي، أحد أبرز تلاميذه، ثم ارتحل إلى أرمينيا.
بغداد، مكة، ودمشق
1211م: زار بغداد والتقى بالصوفي المعروف شهاب الدين عمر السهروردي.
1214م: زار مكة مجددًا، لكنه واجه انتقادات من بعض فقهائها بسبب ديوان “ترجمان الأشواق”، فقرر العودة إلى دمشق.
إقامته الأخيرة في دمشق
بعد زيارات متفرقة إلى حلب وغيرها من مدن الشام، استقر ابن عربي في دمشق بين عامي 1223م – 1240م، حيث عاش بقية حياته في التأليف والتعليم.
وكان أمير دمشق من تلاميذه ومريديه، فاحتضنه، ووفّر له بيئة علمية خصبة، فاجتمع حوله كبار العلماء والفقهاء والطلاب من أرجاء العالم الإسلامي، ومن أبرزهم الشيخ جلال الدين الرومي، صاحب المثنوي الشهير.
مذهبه الفقهي وعقيدته
توحيد صارم وتنزيه مطلق
يقول ابن عربي في تأصيل عقيدته:
«أشهدكم عبد ضعيف مسكين، فقير إلى الله… أن الله إله واحد لا ثاني له، منزه عن الصاحبة والولد، لا وزير له، ولا شريك في ملكه… ليس بجسم ولا جوهر، مقدس عن الجهات والأقطار، مرئي بالقلوب والأبصار.»
ورغم اختلاف العلماء في مذهبه الفقهي، إلا أن العديد من الباحثين يرون أنه كان ظاهريًا في البداية، ثم اجتهد لنفسه وتحرر من التقليد، كما يظهر في بعض رسائله.
وقد رفض ابن عربي القول بالحلول والاتحاد، مؤكداً:
«من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد.»
الإنسان الكامل عند ابن عربي
ما هو الإنسان الكامل؟
الإنسان الكامل هو لقب شرفي يُطلق على الإنسان الذي أدرك حقيقة وجوده وارتباطه بالله.
يرى ابن عربي أن آدم كان أول إنسان كامل، لأنه كان “صافي الفطرة” ومثالًا لكمال الخلق.
الفكرة الجوهرية
ابن عربي لا يرى أن الإنسان الكامل هو مجرد ولي أو عارف بالله، بل هو مرآة تعكس الصفات الإلهية. وهنا تتجلى عبقريته الصوفية:
“المرآة”: استعارة محورية عند ابن عربي.
الله هو الكيان المطلق.
البشر هم المرايا التي تعكس هذا الكيان.
بدون الله لا وجود للبشر، وبدون البشر لا يظهر تجلّي الله.
💡 أي أن العلاقة بين الله والخلق علاقة انعكاس وتجلي، لا انفصال ولا اتحاد مادّي.
مراحل الوعي عند الإنسان الكامل
الفهم: يدرك أن لا فاصل بينه وبين الله في الجوهر (لا يعني الاتحاد الجسدي).
البحث الداخلي: يسلك طريق التزكية والتأمل.
الوصول: تتحقق له الوحدة الروحية بالله، ويصبح عارفًا بالله دون أن يخرج عن كونه عبدًا مخلوقًا.
ردود ابن عربي على الاتهامات بالحلول والاتحاد
رغم أن بعض أفكاره أُسيء فهمها، ابن عربي كان صريحًا:
“من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد”
وقال أيضًا:
“الله تعالى واحد بالإجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل هو في شيء أو يتحد في شيء”
أي أن الوحدة التي يتحدث عنها روحانية وليست جسدية أو ذاتية.
مفهوم النبوة والولاية
من أبرز آرائه التي أثارت جدلًا:
“الولي من حيث ولايته أعلى من النبي من حيث نبوته، إذا اجتمعت الصفتان في شخص واحد”
لكنه لا يقصد أن الولي أعلى من النبي عمومًا، بل إن جانب الولاية في شخص النبي نفسه أرقى من جانب النبوة، لأنها اتصال مباشر بالله لا يتوقف على تبليغ رسالة.
في أقواله أيضًا:
“الحكم نتيجة الحكمة، والعلم نتيجة المعرفة” → يشير إلى أن الولاية والمعرفة الإلهية لا تُنال إلا بالحكمة والتجربة الصوفية العميقة.
دعا لاحترام العلماء والمجتهدين حتى إن لم يبلغوا مرتبة العرفان، فهم أيضًا يسيرون في طريق الله بوسيلة مختلفة.
الخلاصة
فكرة الإنسان الكامل عند ابن عربي تمثل جوهر فلسفته الصوفية، حيث يرى أن الإنسان الكامل هو مرآة تعكس صفات الله وجماله، وليس كيانًا منفصلًا عنه. هذا الإنسان يدرك وحدته الروحية مع الخالق من خلال التزكية، والمعرفة، والسلوك الصوفي، دون أن يقع في فخ الحلول أو الاتحاد الجسدي. وقد شدد ابن عربي على أن هذه الوحدة هي وحدة في المعنى، لا في الذات، محذرًا من المفاهيم المنحرفة التي تخلط بين المقامات. كما فرّق بدقة بين الولاية والنبوة، مبيّنًا أن الكمال الإنساني يتحقق حين يتجاوز الإنسان ظاهره إلى باطنه، ويسير نحو الله بقلب سليم وعقل منير.
الخاتمة
يمثل مفهوم الإنسان الكامل في فكر ابن عربي دعوة إلى ارتقاء الإنسان بنفسه ومعرفته بربه، عبر إدراك العلاقة العميقة بين الخالق والمخلوق. ليست الغاية أن يصبح الإنسان إلهًا، بل أن يدرك في نفسه تجليات الله وصفاته، فيعيش كائنًا رحيمًا، حكيمًا، متصلًا بالحق دون غرور أو ادّعاء. وهكذا، يتحقق للإنسان كماله الروحي، ويصبح كما أراده الله: خليفةً يعكس نوره في الأرض.
لمزيد من المعلومات قم بزيارة صفحتنا على الفيسبوك
لشراء المزيد من المخطوطات النادرة قم بالتسوق الان او تواصل معنا